“في مناسبتين مختلفتين، حضر إلى المكتبة بعض الفتيات وقفزن فرحاً عندما رأين الكتب”.
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من إطلاقها في نوفمبر 2017، حققت مبادرة “تبنّ مكتبة” العديد من المكاسب المشهودة، واستحقت إشادات إيجابية ومشجعة من قبل الجهات المستفيدة بفضل الأرقام التي حققها حجم التبرعات بالكتب.
فقد عادت مساعي مبادرة “تبنّ مكتبة” نحو تطوير نشر القراءة ومصادر المعرفة باللغة العربية وإسهامها في التعليم الرسمي بفائدة كبيرة على المؤسسات المستفيدة والمشاركة. في مخيّم الزعتري الواقع شمالي الأردن، والذي يضمّ نحو 80,000 لاجئ من سوريا، تُدار المكتبات التي ترسلها مؤسسة “كلمات” بوساطة منظمة بلومونت BlumontBluemont غير الربحية والمسؤولة عن مشروع الحماية المجتمعية.
ووفقاً لسراج الحمود، المدير الأول للمخيم، استفاد من الكتب ما يقارب 2,000 طفل تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً. ومن خلال نادي “نمور بلومونت” Blumont للقراءة، أصبحت برامج القراءة والاطلاع على مصادر المعرفة والثقافة جزءاً رئيساً من إطار التعليم الشامل الذي يتضمن اللغتين العربية والإنجليزية، وتكنولوجيا المعلومات، والفنون. كما أسهمت برامج التوعية، التي تتم في أنحاء مخيّم الزعتري عن طريق المكتبات المتنقّلة، في إثراء وتعزيز روح المجتمع؛ إذ أصبحت المكتبات في مخيم اللاجئين لاحقاً حجر الزاوية في برنامج الحياة اليومي، وتشارَكَ الأطفال، والأهالي، وأصحاب الأعمال التجارية، والمعاهد، فرص القراءة واستعارة الكتب
في شرقي أفريقيا بأرض الصومال، تستضيف مكتبة سيلانيو الوطنية العامة في هرجيسا 30 مدرسة و120 تلميذاً في الأسبوع، إذ تحتل كتب المؤسسة ركناً للأطفال يُستخدم في جلسات القراءة الجماعية. وتستوعب مدينة هرجيسا مجتمعات المهاجرين من دول القرن الأفريقي، الذين يقيمون فيها لأغراض اقتصادية، أو الذين نزحوا إليها بسبب الصراعات والحروب، أو انعدام الأمن، أو الجفاف. وتقدّم المكتبة العامة خدمة مميّزة بتوفيرها للمرحلة التأسيسية التي تضمن حقّ الأطفال واليافعين في القراءة والحصول على مصادر المعرفة.
في كينيا، تخطط مبادرة “فن الحكاية” التابعة لمنظمة سونا ساما Sona Sama لاستخدام مجموعة الكتب التي استلمتها ضمن تبرعات المؤسسة في تشجيع ثقافة القراءة بلغات متعددة تشمل اللغات السواحيلية والإنجليزية والعربية ونشرها بين المدارس ضمن شبكتها. ضمن هذه البرامج، يبدو جلياً أن مسيرة تعليم اللغات في أفريقيا تمرّ بمرحلة جديدة في عهد مبادرة “تبنّ مكتبة”. كذلك، يعكس التفاعل الاجتماعي والتطور في المجتمع والإنجازات بين مجموعات المهاجرين دوراً مُهماً آخرَ للبرنامج.
في مدينة فاندوفر ليه نانسي، احتلت شقيقتان من بين القرّاء المستفيدين من كتب المؤسسة في فرنسا المركزين الأول والثالث في مسابقة القراءة الوطنية للغة العربية للعام 2018 في الدولة. بالنسبة إلى تسنيم، الشقيقة الكبرى، والتي كانت تبلغ 12 عاماً من العمر في ذلك الوقت، فقد قادها هذا الإنجاز إلى المشاركة في تحدي القراءة العربي في مدينة دبي، في العام نفسه. ولغرض مماثل، أي التحضير للمسابقة الدولية، قام الأطفال بزيارة منظمة We Need Books ومقرها أثينا، وهي منظمة غير حكومية توفّر مكتبات متعددة اللغات لسكان المدينة. تقول إيوانا نيسيريو، المؤسس المشارك لمبادرة القراءة اليونانية، “في مناسبتين مختلفتين، حضر إلى المكتبة بعض الفتيات وقفزن فرحاً عندما رأين الكتب”.
وبالتالي، فإن تعزيز الروابط الثقافية يشكل حجر الأساس الآخر لبرنامج المؤسسة، إذ يشكل الحفاظ على تقاليد وموروثات الأوطان أحد أهمّ العوامل التي تساعد في ترسيخ الانتماء وتعزيز الثقة. ويُعدّ القسم الإيطالي في المجلس الدولي لكتب اليافعين أحد الشركاء الدّاعمين لمبادرة “تبنّ مكتبة”. وفيما يتعلق بمجتمعات المهاجرين واللاجئين، تحدثت مارسيلا تيروسي، المتطوعة في المجلس الدولي لكتب اليافعين IBBY والأستاذ المساعد في جامعة بولونيا، عن أهمية القراءة باللغة الأم والحفاظ على الارتباط بالهوية الأصلية ودورهما في توسيع آفاق الصغار خلال حياتهم المستقبلية، مؤكدةً أنّ الدراسات في علم اللغة تشير إلى ضرورة حفاظ اليافعين على اللغة الأم لتعلّم أي لغة جديدة بسهولة أكبر. في هذا الإطار، أسهم إصدار كتب باللغتين العربية والإيطالية، من خلال شراكة بين دار نشر “غالوتشي” الإيطالية ومؤسسة “كلمات”، في تطوير اللغة الموازية التي تعتبر عاملاً مهماً لعملية التكامل والاندماج. وقد شكّل وجود مجموعات الكتب التي توزعها مبادرة “تبنّ مكتبة” على 11 مكتبة في مدن وقرى وجزر إيطاليا جسراً يقود إلى التنمية والاستقرار والتقدّم.
وفي البرازيل، قال دييس زاناردي من جمعية ساو باولو للمكتبات والقراءة، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز الثقافة والقراءة والأدب، إن التعرّف إلى الآخر هو من الموضوعات المهمة التي تتطرّق إليها كتب “كلمات”، والتي يتم تشجيعها بين الأطفال ذوي الخلفيات الوطنية المختلفة عند القدوم والزيارة.
إن التمسّك بالروابط الثقافية يندرج ضمن الأهداف التي تمّ من أجلها تأسيس مدرسة ساو باولو الإسلامية البرازيلية من قبل مهاجرين لبنانيين، كما يقول الإمام البقاعي، أحد مديريها، فهو يرى أن كتب المؤسسة تسير في السياق ذاته وتفي بهذا الغرض تماماَ.
لقد حقّق توافر الكتب المطبوعة فائدة كبرى أخرى للمستفيدين، لاسيما في المناطق الفقيرة، حيث يكون الوصول إلى الخدمات مثل الكهرباء والبيانات المتنقلة محدوداً، وهي نقطة عزّزها كلير برادلي، مدير منظمة دعم الكتاب الدولية Book Aid International في المملكة المتحدة ومدير صندوق الاستئمان للمنظمة، المسؤول عن تسليم الكتب في هرجيسا. وفي الإطار نفسه، يقدم عبدالرحمن إنديجو، العضو المنتدب وأمين مبادرة “فن الحكاية”، تعريفاً لعلاقة الارتباط والقرب التي يولّدها وجود الكتاب في شكله المادي: “كما نقول، القُرب يولّد الألفة، والألفة تولّد الحب”. موضحاً ما سيلاحظه الأهل من تأثير هذا الارتباط والمحبة في مستوى الاستيعاب الذي يستمده أطفالهم من القراءة، وأكثر من ذلك، رغبتهم في سرد القصص التي قرؤوها للتو.
من المقرر أن تمضي مبادرة “تبنّ مكتبة” قدماً خلال العام 2021، وذلك ضمن خططها لتوسيع نطاق وصولها إلى الأماكن التي تظهر فيها حاجة اليافعين والأطفال المحرومين إلى الكتب باللغة العربية. ولا شك في أن توفير المكتبات، وإصدار قصص ملهمة وتجارب نجاح لشخصيات مشابهة لحالاتهم، ستسهم جميعها في توفير فرص عادلة للقراءة والحصول على مصادر المعرفة والثقافة، لأن الإنجازات السابقة والمكاسب الجديدة ستقودنا حتماً إلى نشر مزيد من المعرفة التي تدعم تكوين شخصيات هؤلاء اليافعين وتعزّز ثقتهم في أنفسهم وتمدّهم بقدرات أكبر لخوض غمار المستقبل.